فلسطين

قتلة مستأجرون: معضلة الجيش الإسرائيلي التي كشفتها حرب غزة

بعد حديث أبو عبيدة في 15 ديسمبر الماضي، عن المرتزقة الأجانب في الجيش الإسرائيلي، توجهت الأنظار تجاه تلك الظاهرة التي حاول الاحتلال إخفاءها. فما قصتها؟

future جنود احتياط في الجيش الإسرائيلي

بعد حديث أبو عبيدة، الناطق باسم الذراع العسكرية لحركة حماس، في تسجيل صوتي له في 15 ديسمبر الماضي، عن المرتزقة الأجانب في الجيش الإسرائيلي، توجهت الأنظار تجاه تلك الظاهرة التي حاول الاحتلال إخفاءها.

منذ بدء التوغل البري الإسرائيلي في قطاع غزة في السابع والعشرين من أكتوبر 2023، لاحظت المقاومة الفلسطينية أن الاحتلال لا يعلن إلا عن بعض قتلاه في أرض المعركة، وفُسِّر ذلك بأن هؤلاء القتلى بالفعل ليسوا ضمن قواته؛ بل هم محاربون أجانب اشتركوا في الحرب مقابل أجور مالية.

سافر الآلاف من المرتزقة الأجانب للانضمام إلى صفوف الجيش الإسرائيلي في عدوانه على غزة، بدعم وتمويل من جماعات الضغط الأمريكية واليهودية التي تكفَّلت بإرسال مساعدات مالية كبيرة من الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تضم يهود الشتات. ونشر الجيش الإسرائيلي إعلانًا يدعو فيه الأوروبيين والأمريكيين الراغبين في الانضمام إلى الحرب الدائرة في غزة إلى التواصل مع قنصلياته، واستجاب الكثيرون بالفعل.

جيش الشعب!

يعتمد جيش الاحتلال على الاحتياط بشكل كبير لتعويض القصور العددي الهائل له أمام الجيوش العربية، فمئات الآلاف من المدنيين الذين يعملون في وظائف شتى يعتبرون أنفسهم تحت الطلب إن اشتعلت المواجهات العسكرية، فيتركون أشغالهم وحياتهم المدنية ويلبون نداء التعبئة العسكرية إن طُلب منهم ذلك.

ويبدأ التجنيد الإجباري في كيان الاحتلال من عمر 18 عامًا، ويمتد لمدة 32 شهرًا للذكور، و24 شهرًا للإناث، وبعد نهاية المدة يُحتَسبون ضمن قوة الاحتياط، وينشأ التزام طوعي من جانبهم بالاستجابة للاستدعاء للخدمة في أي وقت بعد ذلك.

ويضمن هذا النموذج الموازنة بين الحاجة إلى أكبر عدد من الجنود وبين الحاجة إلى الوظائف المدنية في المجالات الأخرى، كالصناعة والتجارة والتعليم، وغير ذلك مما يحتاجه أي مجتمع.

مثَّل هذا النموذج أزمةً أثناء أزمة الإصلاح القضائي الأخيرة؛ حيث هدَّد الآلاف من جنود وضباط الاحتياط بالامتناع عن تلبية نداء الخدمة العسكرية؛ فالعديد من منتسبي القوات الجوية والمخابرات العسكرية والكوماندوز أعلنوا رفضهم أداء الخدمة العسكرية إذا أُقرَّ تنفيذ مشروع الإصلاح القضائي، في خطوة هدفوا منها إلى الضغط على حكومة نتنياهو للتراجع عن دعم إجراءات من شأنها أن تخل بالتوازن بين السلطات لصالح السلطة التنفيذية، وتقلل من سلطة ونفوذ المحكمة العليا.

وفي بيان ضم توقيعات المئات من عناصر الاحتياط، قال الموقعون إنه إذا اعتُمِد تنفيذ أي تشريع بطريقة غير منطقية، فهذا سوف يقوِّض رغبتهم في مواصلة المجازفة بحياتهم، وسوف يحثُّهم على تعليق خدمتهم التطوعية لدى قوات الاحتياط.

يمثل نظام الاحتياط معضلة في فترات الحروب الطويلة، مثل حرب غزة حاليًّا؛ فالاعتماد على هذه الفئة غير المتفرغة للتجنيد من شأنه أن يشل الاقتصاد الإسرائيلي، ويُحدِث الكثير من المشاكل في كل مناحي الحياة، بما يؤثر - بلا شك - سلبًا على الأداء العسكري نفسه. فمع اندلاع حرب لبنان في يوليو عام 2006، اندلعت أيضًا مشاكل قوات الاحتياط، ونظَّم الجنود احتجاجات كبيرة ضد البرلمان والحكومة للتعبير عن شعورهم بالإهمال، وعلى إثر تلك الاحتجاجات أُجريت تعديلات قانونية لصالح قوات الاحتياط، بموجبها جرى اعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من جيش الاحتلال.

مرتزقة في جيش الاحتلال

نتيجة وجود هذا القصور العددي الكبير في الجيش الإسرائيلي، لجأت تل أبيب إلى استئجار خدمات محاربين أجانب للقتال بجانب جنودها، وساهم هؤلاء المرتزقة في خفض عدد قتلى الجيش الإسرائيلي المعلن عنهم، وكذلك فتح المجال أمام جنود الاحتياط لأداء وظائفهم المدنية، وبالتالي دعم اقتصاد الكيان.

لم يبدأ اللجوء لهذا الحل مؤخرًا فقط، بل فعلت إسرائيل ذلك طوال حروبها منذ عام 1948؛ إذ استخدمت بشكل متكرر خدمات المرتزقة من دول مختلفة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وأوكرانيا. وعلى الرغم من التقارير العديدة التي تفيد بأن إسرائيل تستخدم المرتزقة في غزة، فإن تل أبيب تلتزم الصمت وترفض الكشف عن عدد هؤلاء المرتزقة.

وكان تقرير صادر عن مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست الإسرائيلي، ذكر أنه بين عامي 2002 و2012، بلغ المتوسط السنوي لعدد المرتزقة، المعروفين أيضًا باسم الجنود المنفردين، 5500 عنصر، وأفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف، عام 2014، أن هناك ستة آلاف مرتزق في الجيش الإسرائيلي، منهم ألفان على الأقل من الولايات المتحدة.

وتعتمد إسرائيل في التعاقد مع هؤلاء المقاتلين الأجانب والمرتزقة على متعهدين أمنيين يعملون بشكل خاص، من أبرزهم شركة جلوبال سي إس تي المحلية. وتقوم منظمات تابعة لجماعات أوروبية يمينية ويهودية بتنظيم حملات لدعوة الأوروبيين للالتحاق بالجيش الإسرائيلي، وأيضًا الانضمام إلى حملات دعم عمليات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

ووفقًا لبيانات حرب عام 2014، ينضم كل عام ما بين 800 وألف متطوع أجنبي، وهذا كله بخلاف مزدوجي الجنسية كمواطني الدول الغربية اليهود الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية. فالأجانب في الجيش الإسرائيلي ليسوا كلهم مرتزقة هدفهم المال فقط، فبعضهم يهود مزدوجو الجنسية.

بصفة عامة، يمكن تقسيم المقاتلين الأجانب غير الإسرائيليين إلى ثلاث فئات: المرتزقة، وأعضاء الجيوش الأجنبية والمخابرات الذين أشارت إليهم صحيفة نيويورك تايمز على أنهم شبكة خفية تابعة لوكالة المخابرات الأمريكية، والمتطوعين من جميع أنحاء العالم الغربي الذين انضموا إلى الحرب لأسباب أيديولوجية.

وقد أثَّرت الدعاية الإسرائيلية في بعض من يعيشون في الولايات المتحدة وأوروبا وحفَّزتهم للقتال، فبعضهم قرر التحرك بعد مشاهدة مقاطع فيديو لهجوم السابع من أكتوبر، اختِيرت بعناية في بداية الحرب.

ويُمنح المرتزق الواحد أكثر من أربعة آلاف دولار أسبوعيًّا، مما كان له أثر كبير في تشجيع محترفي القتال على الذهاب إلى هناك. وكشفت شبكة الإذاعة الفرنسية Europe1 عن تجنيد 4185 مواطنًا فرنسيًّا-إسرائيليًّا في الجيش الإسرائيلي للمشاركة في حرب غزة، مما دعا البرلماني الفرنسي، توماس بورتيس، لمطالبة حكومته بفتح تحقيق في مشاركة هذا العدد الكبير من المواطنين الفرنسيين في أعمال القتال بجوار الجيش الإسرائيلي في غزة. وكذلك، نشر الإعلام الروسي مشاهد تُوثِّق مشاركة مرتزقة أوكرانيين في صفوف القوات الإسرائيلية في غزة.

وتتسامح الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وأوكرانيا مع مواطنيها الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وتُصوِّرهم غالبًا على أنهم أبطال في وسائل الإعلام المحلية، وليسوا مجرمي حرب. في حين تتخذ جنوب أفريقيا موقفًا مختلفًا؛ فعندما علمت وزارة الخارجية هناك أن مواطنين يفكرون في الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي أو انضموا إليه بالفعل، هددت على الفور باتخاذ إجراءات قانونية واحتمال إلغاء الجنسية للمواطنين مزدوجي الجنسية.

ويخدم حاليًا ما يُقدَّر بنحو 23380 مواطنًا أمريكيًّا مزدوج الجنسية لدى جيش الاحتلال، وفقًا لبياناته. وبينما يشكل المواطنون الأمريكيون أقل من 2% من سكان إسرائيل، فإنهم يمثلون ما يقرب من 10% من قتلى الحرب منذ بدء الغزو البري لغزة.

وتشير مقاطع فيديو وصور منتشرة على شبكة الإنترنت إلى وجود مرتزقة أمريكيين من مجموعة المراقبة الأمامية FOG في قطاع غزة، يقاتلون إلى جانب الجيش الإسرائيلي. واشتهرت هذه المجموعة بسفرها إلى الخطوط الأمامية للحرب الأوكرانية، وتقدم نفسها كنموذج يُحتذى لأسلوب الحياة العسكرية. وقد أيَّد تحقيق أجرته شبكة الجزيرة الادعاءات القائلة بأن المرتزقة الأمريكيين كانوا على الأرض في غزة.

ونشرت مجموعة FOG، على حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، سلسلة من الصور والقصص التي تظهر عناصرها في فلسطين وهم يرتدون معدات قتالية، ومع ذلك، لا يُعرف سوى القليل حتى الآن عمَّا إذا كانوا قد شاركوا أو نسَّقوا بشكل مباشر مع القوات الإسرائيلية في أي صراع.

ورغم إعلان المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، أنه لا توجد نية للولايات المتحدة لنشر قوات عسكرية في غزة، فإن اندفاع المواطنين الأمريكيين لحمل السلاح لصالح إسرائيل يشبه، في بعض النواحي، الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، التي ناشدت حكومتُها الأمريكيين وغيرهم من الرعايا الأجانب المساعدة في صد الغزو.

# إسرائيل # الجيش الإسرائيلي # طوفان الأقصى # غزة # الولايات المتحدة الأمريكية

«معركة خلدة»: عن الهزائم التي تلد انتصارات
من هو ماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية الأمريكي؟
هيجسيث: وزير دفاع يكره المرأة في الجيش الأمريكي

فلسطين